اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
43439 مشاهدة
5- إثبات صفتي السمع والبصر

[وقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11]. وقوله: إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء: 58].


الشرح
* قوله: (وقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ).
هذه الآيات فيها إثبات صفتي السمع والبصر وقد ذكر الله -سبحانه- هذا الوصف بعدة تعبيرات، فمنها بالزمن الماضي كقوله: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ [المجادلة:1]. وبالمضارع كقوله: وَاللَّهُ يَسْمَعُ [المجادلة:1]. وكذلك بالاسم كقوله: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ [الأنفال: 61]. فهذه الصفات نثبتها لله -سبحانه- على ما يليق بجلاله وعظمته، ثم نقول: إن لذلك الإثبات فائدة، وهي أن العبد إذا اعتقد أن ربه يسمع كل شيء، لا تخفى عليه خافية فيسمع حركاته وسكناته، حمله ذلك الاعتقاد على المراقبة لله -سبحانه- في جميع الأحوال وفي جميع الأمكنة والأزمنة، فيقول: كيف أنطق بكذا وهو يسمعني؟! وكيف أتكلم بما يسخطه وهو يسمعني، ولا تخفى عليه خافية من أمري؟
فإذا اعتقد ذلك بحق أدى به إلى شدة المراقبة لربه ومعبوده -سبحانه وتعالى- فحينئذ تجده حافظا للسانه، حافظا جوارحه عن كلما يسخط الله سبحانه، خائفا من ربه؛ لأنه لا تخفى عليه منه خافية الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء: 218، 219].
وكذلك صفة البصر، نثبت لله تعالى هذه الصفة كما يشاء، وكما يليق به وأنه يبصر ويرى كما في قوله تعالى: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه: 46].
وفائدة هذا الإثبات أيضا: أن العبد لا يعمل المعصية لا في الجهر ولا في السر، فلا يستخفي بمعصية مهما كانت، وفي أي مكان كان، ولو في الظلام الدامس، ولو في أبعد مكان؛ لأنه يعلم، علم اليقين أن الله يراه، وأنه لا يخفى عليه في أي مكان كان.
وزيادة على ذلك: أن الله قد وكل به من يحفظه من الملائكة، ووكل به - من يحفظ أعماله- من الكرام الكاتبين، وزيادة على ذلك: أن الله ينطق جوارحه في يوم القيامة بما عملت: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ [النور:24]. شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [فصلت:20]. ولو حاسبهم الله بما يعلمه عنهم لكانت له الحجة عليهم، وذلك لأنه لا يظلم أحدا، ولا يظلم مثقال ذرة، ولكن من باب إقامة الحجة، ومن باب قطع المعذرة أن يقال له: هل ظلمك الكتبة؟ هؤلاء الكتبة الحافظون الكرام قد دونوا عليك كل شيء من أعمالك، فلا يستطيع العبد الإنكار، كذلك أيضا يقال له: هذه جوارحك قد نطقت وشهدت عليك، فهل جوارحك تكذب عليك؟ فلا يستطيع جوابا، وذلك لأنه يختم على أفواههم في ذلك اليوم -يوم القيامة- الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس: 65]. وهنالك عندما يرون هول الموقف ماذا يحدث؟ لا يكتمون الله حديثا، قال تعالى: وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء: 42]. يسول إليهم في أول الأمر! فينكرون كما حكى الله عنهم في قوله: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام:23]. قال تعالى: انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ [الأنعام: 24]. ولكن يعترفون بعد ذلك عندما يرون كثرة البينات وتضافرها.
فالحاصل: أن من عقيدة أهل السنة: إثبات هاتين الصفتين لله على ما يليق بجلاله وعظمته، فيثبتون أن الله تعالى يسمع كل شيء ويبصر كل شيء، وأن سمعه يدرك الأصوات كلها، وأن بصره يدرك جميع المرئيات، وأنه لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماوات، وأن كل دقيق أو جليل فإنه يسمعه سبحانه، فهو- يسمع دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء يرى كل شيء ويسمع كل شيء، ولا يخشى عليه خافية، وسع كل شيء علما.