التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
5- إثبات صفتي السمع والبصر
[وقوله: رسم> لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ قرآن> رسم> [الشورى: 11]. آية> وقوله: رسم> إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا قرآن> رسم> [النساء: 58]. آية>
هذه الآيات فيها إثبات صفتي السمع والبصر وقد ذكر الله -سبحانه- هذا الوصف بعدة تعبيرات، فمنها بالزمن الماضي كقوله: رسم> قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قرآن> رسم> [المجادلة:1]. آية> وبالمضارع كقوله: رسم> وَاللَّهُ يَسْمَعُ قرآن> رسم> [المجادلة:1]. آية> وكذلك بالاسم كقوله: رسم> إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ قرآن> رسم> [الأنفال: 61]. آية> فهذه الصفات نثبتها لله -سبحانه- على ما يليق بجلاله وعظمته، ثم نقول: إن لذلك الإثبات فائدة، وهي أن العبد إذا اعتقد أن ربه يسمع كل شيء، لا تخفى عليه خافية فيسمع حركاته وسكناته، حمله ذلك الاعتقاد على المراقبة لله -سبحانه- في جميع الأحوال وفي جميع الأمكنة والأزمنة، فيقول: كيف أنطق بكذا وهو يسمعني؟! وكيف أتكلم بما يسخطه وهو يسمعني، ولا تخفى عليه خافية من أمري؟
فإذا اعتقد ذلك بحق أدى به إلى شدة المراقبة لربه ومعبوده -سبحانه وتعالى- فحينئذ تجده حافظا للسانه، حافظا جوارحه عن كلما يسخط الله سبحانه، خائفا من ربه؛ لأنه لا تخفى عليه منه خافية رسم> الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قرآن> رسم> [الشعراء: 218، 219]. آية>
وكذلك صفة البصر، نثبت لله تعالى هذه الصفة كما يشاء، وكما يليق به رأس> وأنه يبصر ويرى كما في قوله تعالى: رسم> إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى قرآن> رسم> [طه: 46]. آية>
وفائدة هذا الإثبات أيضا: أن العبد لا يعمل المعصية لا في الجهر ولا في السر، فلا يستخفي بمعصية مهما كانت، وفي أي مكان كان، ولو في الظلام الدامس، ولو في أبعد مكان؛ لأنه يعلم، علم اليقين أن الله يراه، وأنه لا يخفى عليه في أي مكان كان.
وزيادة على ذلك: أن الله قد وكل به من يحفظه من الملائكة، ووكل به - من يحفظ أعماله- من الكرام الكاتبين، وزيادة على ذلك: أن الله ينطق جوارحه في يوم القيامة بما عملت: رسم> يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ قرآن> رسم> [النور:24]. آية> رسم> شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ قرآن> رسم> [فصلت:20]. آية> ولو حاسبهم الله بما يعلمه عنهم لكانت له الحجة عليهم، وذلك لأنه لا يظلم أحدا، ولا يظلم مثقال ذرة، ولكن من باب إقامة الحجة، ومن باب قطع المعذرة أن يقال له: هل ظلمك الكتبة؟ هؤلاء الكتبة الحافظون الكرام قد دونوا عليك كل شيء من أعمالك، فلا يستطيع العبد الإنكار، كذلك أيضا يقال له: هذه جوارحك قد نطقت وشهدت عليك، فهل جوارحك تكذب عليك؟ فلا يستطيع جوابا، وذلك لأنه يختم على أفواههم في ذلك اليوم -يوم القيامة- رسم> الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ قرآن> رسم> [يس: 65]. آية> وهنالك عندما يرون هول الموقف ماذا يحدث؟ لا يكتمون الله حديثا، قال تعالى: رسم> وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا قرآن> رسم> [النساء: 42]. آية> يسول إليهم في أول الأمر! فينكرون كما حكى الله عنهم في قوله: رسم> وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ قرآن> رسم> [الأنعام:23]. آية> قال تعالى: رسم> انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ قرآن> رسم> [الأنعام: 24]. آية> ولكن يعترفون بعد ذلك عندما يرون كثرة البينات وتضافرها.
فالحاصل: أن من عقيدة أهل السنة: إثبات هاتين الصفتين لله على ما يليق بجلاله وعظمته، فيثبتون أن الله تعالى يسمع كل شيء رأس> ويبصر كل شيء، وأن سمعه يدرك الأصوات كلها، وأن بصره يدرك جميع المرئيات، وأنه لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماوات، وأن كل دقيق أو جليل فإنه يسمعه سبحانه، فهو- يسمع دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء يرى كل شيء ويسمع كل شيء، ولا يخشى عليه خافية، وسع كل شيء علما.
مسألة>